
الســـلام الدائـــم
September 3, 2025
الإنسان بين السعادة والمعاناة
September 3, 2025حياتـك النفسيـة
يضاف إلى كتاب السعادة والمعاناة
حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها الرئيس
عبد الفتاح السيسي
محمـد يـاقـــوت
1/11/2023
سجن الجيزة المركزي
هل تفهم نفسك؟
وأنت تقرأ هذه الكلمات.. قلي: هل أنت سعيد؟ أو هل تود أن تكون سعيدًا؟ اغمض عينيك وخذ نفسًا عميقًا، ثم قل لي: هل تفهم ذاتك؟ أو قل لذاتك هل أفهمك يا ذاتي؟ إن المرء الذي لا يفهم كيف يقود سيارته بالطبع لن يقودها وإن كانت سيارته، العبرة بنجاح قيادة السيارة ليس بمتلكها إنما بمهارة قيادتها، وحينما تفهم نفسك وتقوديها بمهارة فإن الشكلية فسوف ننجح في تحقيق السعادة.
هل أنت انطوائي أم انبساطي؟ هل أنت بصري أم سمعي؟ هل تعاني من أي اضطراب نفساني؟ هل تذكر صدمة نفسية لك في عمر الطفولة؟ وما هو أقدم حلم أو منام رأيته ولا تزال تذكره؟ هل تذكر تجربة فاشلة وإذا استحضرتها تؤلمك؟ كل هذه التساؤلات أستمحيك عذرًا.. من فضلك فكر في الإجابة عليها.
النفس والجسم:
النفس هي ذاتك الحقيقية الواعية الآن، وهي تسكن وعاء الجسم، والنفس تشمل الوعي والروح، وكلاهما يسكنان هذا الجسد الذي هو بمثابة رداء مؤقت، فالجسم يزول وتبقى النفس الخالدة، وهي حقيقة أقرتها كل الأديان والفلسفات والأساطير تقريبًا.
والنفس خالدة، لا تموت، وإنما تذر قوة ذواقًا لتترك الجسد، والنفس خالدة لأنها ترجع إلى المصدر الذي خلقها، كما في النص ] ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ[ وهي تذوق الموت ولا تموت، إنما يموت الجسد ويبقى الوعي متصلاً، كما في النص ] كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ[.
وهذه النفس البشرية منها أنواع، فمنها النفس السعيدة المطمئنة، ومنها النفس المتقلبة اللاوامة، ومنها النفس المليئة بالسموم النفسية والأخلاقية فهي سيئة خبيثة، آمرة بالسوء.
والنفس البشرية والروح والعقل والقلب، كلها مسميات لمعنى واحد تقريبًا هي “النفس”، فالنفس فيها الروح، والعقل والقلب، ونقصد هنا بالعقل والقلب المعنى النفسي، وليس المخ أو عضلة القلب.
والعقل إنما يكون بالقلب، كما في النص: (لهم قلوب لا يعقلون بها) أو (قلوب لا يفقهون بها).
فالقلب هنا، هو قلب النفس البشرية، وبؤرة الشعور، فمن خلاله يكون الفهم والفقه، والحب والكرة، وكذلك اللين والقسوة، كما في النص ] ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ[.
تحولات النفس:
والنفس تتحول بين الفجور والتقوى، وبين الصحة والاعتلال، وبين الاضطراب والهدوء. النفس تتحول وتنتقل بين هذه الثنائيات من حين إلى آخر، وهي تعمل تحت إرادة العقل، أو إرادة الإنسان، وهي طوع إرادة الإنسان، إن شاء أخذ قرار السعادة أو قرار الشقاء.
والنفس البشرية، سواها الله، وأبدع صنعها تمامًا كما أبدع الجسم وأعضاؤه، وكلاهما النفس والجسم يخضعان لإرادة الإنسان، إن اعتنى الإنسان بجسمه صح، وإن أهمله اعتل. وكذلك النفس بحاجة إلى ترويض وعناية، وهي مجبولة على إرادة صاحبها، ولديها الاستعداد أن تستجيب لقرارات، ويصلح الإنسان حينما يسيطر عليها، بالتحكم في انفعالاته وغرائزه.
ويفشل الإنسان حينما يفقد السيطرة على ذاته، يفشل نفسيًا ومهنيًا وعاطفيًا.
والنفس المحملة بالأحزان وبتلك المشاعر السلبية والساعة التكلسة في قاع العقل الباطن، بحاجة إلى إخراج هذه السموم النفسية من حين إلى آخر حتى لا تتعاظم كالسرطان.
تفريغ الوعاء:
وعاء النفس، هو العقل الباطن، تتراكم فيه تلك المشاعر والتجارب القديمة، بل يدخل إلى هذا الوعاء كل الاشياء التي نمر بها ولا ندركها وتشكل جزءًا من شخصيتنا، فما يظهر على السطح هو ذلك الاضطراب، فإذا ما تم إفراغ الوعاء زال الاضطراب.
وتفريغ الوعاء – أي ما يحتويه العقل الباطن من مشاعر سامة وتجارب مؤلمة – إنما يكون بالتدافر الحر أو الفضفضة، أو خروج هذه المشاعر من منطقة اللاوعي إلى منطقة الوعي، وهذا يجعلك تفهم تقنيات نفسية تعمل على إخراج هذه المشاعر السامة، كتقنيات التداعي الحر كالتحدث على الأيكة مع المعالج النفسي، أو الرسم أو قراءة بقعة حبر أو الكتابة.
وظهرت بعد ذلك تقنيات أعمق كالبرمجة اللغوية العصبية، وتقنية الحرية النفسية، والعلاج بخط الزمن، وكلها تقنيات متنوعة وموضوعها واحد وهو التداعي الحر.
وبغض النظر عن تلك التقنيات ومسمياتها، والتي من الممكن تكتب اسم أي مسمى منهم على موقع اليوتيوب وتأخذ فكرة عن تلك التقنيات، ما أودك أن تعلمه أن عملية التداعي الحر تلك هي العامل المشترك بين هذه التقنيات.
وعملية التداعي الحر من البساطة، إلى درجة أن تبذل جهدًا بنية التخلص من الألم، كأن تقدم على ممارسة رياضة الجري أو رسم لوحة أو كتابة خاطرة أو الربت بأصابع اليد على أطراف الوجه أو جلسة يوجا، أن تفعل كل هذا أو شيء من ذلك، ولكن بنية التخلص من الألم النفسي، وهي عملية ظفر الصدمة من مستوى اللاوعي إلى مستوى الوعي.
إن من المهم أن يخلد الإنسان إلى فراشه كل ليلة، وهو في حالة سلام داخلي، متسامحًا؛ متخلصًا من كافة المشاعر السامة والأفكار السلبية؛ لذا أفرغ وعائك كل ليلة.
مزاجـك!
المزاج، هو الخلطة: وأقصد به الخلطة النفسية لحالتك الانفعالية الآن. وقبل كل شيء، يجب أن يكون قرارك أن تكون بحالة مزاجية جيدة!
ولكي تكون بحالة مزاجية جيدة، يجب أن تعترف امام ذاتك بحالة القصور التي تعاني منها، ثم تقرر أن تكون في حالة “انتباه” و”وعي” لحالتك النفسية عمومًا، وعلى وجه الأخص تكون في حالة ترقب وحزم عدم السامع لأي سهم من سهام المشاعر السامة أن يخترق حصون نفسك.
افهم.. سيطر.. احم نفسك.. تلك هي قراراتك الثلاثة نحو مشاعرك، افهم وكأن في حالة وعي تام لما أصابك من شعور غير مرحب به. ثم سيطر على انفعالاتك، بالتحكم فيها، وتهدئة روعك. وأخيرًا احم نفسك من تبعات هذه المشاعر، أو من المشاعر المصاحبة، فالمشاعر السلبية يجر بعضها بعضًا، والانفعالات الضارة، والصراعات الداخلية، وسائر الاضطرابات يتبع بعضها بعضًا بشكل فيروسي. ويلقح بعضها بعضًا بشكل حيواني، وتتعاظم بشكل سرطاني حتى تدمر الإنسان.
ومثال ذلك حالة الانتحار وما يؤدي إليها أن الأمر يبدأ بحالة فراغ وجودي، يفقد الإنسان فيه معنى الحياة، فلا يرى هدفًا يستحق أن يعيش من أجله، فيدخل بعد ذلك في مرحلة خوف مستمر، والخوف المستمر يؤدي إلى القل، والقلق المستمر يؤدي إلى الاكتئاب، والاكتئاب المستمر يؤدي إلى الانتحار. وهكذا المشاعر السامة بعضها من بعض، يلقح بعضها بعضًا، وتتوالد. لذا من المهم المسح النفسي، والتطهر الذاتي من المشاعر السامة.
والمشاعر السامة تتولد من رحم فكرة سامة، فضع الفكرة السلبية يوفر عليك آلاف المشاعر السلبية أن كل الأبحاث تؤكد أن الأفكار السلبية، تولد اضطرابات انفعالية.
إذن السيطرة على مزاجك، يأتي من السيطة على أفكارك. إن الفكرة السلبية أدت إلى مشاعر حزن على الماضي وشعور بالذنب وجلد الذات والعار، هذا الذي فعلته من البعد الزمني الماضي، أما البعد الزمني الحاضر، فقد أحدثت اضطرابًا. وأما البعد الزمني المستقبل، فهي تشعرك أنك قاوم على المجهول ذي الكوارث والمصائب، والخوف والهلع من أمور لم تحدث. وهكذا الفكرة السلبية أفسدت عليك ماضيك وحاضرك ومستقبلك.
في كل مرة تتغير حالتك المزاجية، حاول الكشف عن الفكرة الحسية التي راودتك قبل هذه الحالة. لاحظ أن كثرة تعاطي هذه الأفكار، يجعلها آلية، أي سهلة، وتلقائية فهي تصيبك دون جهد منك؛ لذا من المهم الإمساك بها في كل مرة، حتى لا تدمنها.
مرر الأفكار على عقلك، واجعل من عقلك فلترًا، أو مصفى، لتلك الأفكار، يلفظ الضار، ويسمح للأفكار المفيدة، الأفكار المفيدة تقويك، والأفكار السلبية تضعفك.
لنقل معًا هذا التصريح الإيجابي: “أسمح فقط بالأفكار التي تقويني”.
ربما تتفلت منك بعض الأفكار السلبية، فهي تدخل النفس، فتصنع زوبعة في فنجان، وهو حديث النفس الداخلي، فترى نفسك مسترسلاً في حديث داخلي لا هدف منه سوى صور انتقامية، أو مشاهد عدائية، أو سلسلة من تأنيب النفس، مهلاً! أنت مقبل على قلق مؤذٍ.
حديث النفس الداخلي:
قلنا: إن الأفكار حينما تتسرب إلى النفس نتصنع زوبعة في فنجان، هي حديث النفس الداخلي، ويدخل فيها الإحياء الثاني، والهفوات، والفلتات، والأفعال العارضة، كل هذه الأشياء عبارة عن تسرب من العقل اللاوعي.
والقاعدة هنا كلما سيطرت على حديثك النفسي الداخلي كلما سيطرت على مشاعرك، بل يجب توجيه هذا الحديث الداخلي حيث يدعم أهداف حياتك الإيجابية، في تحقيق السعادة والنجاح والوفرة.
والإيحاء الذاتي، هو إيحاء يوحيه الإنسان لنفسه، بسبب الأفكار. وهناك إيحاء ذاتي إرادي، وإيحاء ذاتي لا إرادي، أما الإرادي فهو يكون بسبب إرادتك، ذلك كأن تستحضر فكرة النجاح وهدفك الحالي وبالتالي يحدث الإيحاء الذاتي الموجه.
أما الإيحاء الذاتي اللاإرادي، فهو بسبب تلقي الأفكار بشكل سلبي واستلامي، فيكون الإنسان فريسة لسلبية الإيحاءات السامة، التي تحمل صورًا عدوانية أو مؤذية عمومًا.
والإيحاء الذاتي الموجه، أو غير الموجه، هو مورد مغذى للعقل الباطن، فهو يغذيه بتلك الصور والمشاعر المصاحبة لعملية الإيحاء الذاتي.
والإيحاء الذاتي أيضًا يساعدك في الوصول إلى حالة التقمص التي تريدها، فشعورك بكونك إنسانًا سعيد وثريًا، فهذا لا تستطيعه من دون حالة التقمص التي تشعرك مشاعر السعادة، وهذا يحصل من خلال الإيحاء لنفسك بذلك.
والحديث الداخلي الذي يدور في صدرك يعبر عن حياتك النفسية وماذا عساك مثلاً أن تتخيل ماذا يدور في نفس شخص ثري كورت بافت وبيل جيتس أو إيلون ماسك، تخيل تلك الأحاديث النفسية التي تدور في صدورهم، وتلك التي تدور في أناس آخرين متشائمين تعساء.
لا شك أن الأشخاص الناجحين حديثهم النفسي يدور حول نجاحات يومية ومستقبلية، وعبارات تحفيزية، وجمل إيجابية، وكلمات ملهمة، حتى الموسيقى التي تدور في نفوسهم، أو تلك الأغاني التي يدندنون بها، كلها تتجه في صناعة شخص عظيم ناجح وسعيد.
أما الأشخاص العاديون فالذي يدور بداخلهم من حديث فهو حديث عادي مثل حياتهم.
واما هذا المكتئب، فيدور في نفسه أحاديث من نوع: “أنا فاشل تمامًا”، “لا أستطيع تحمل المسؤولية”، “لا فائدة ترجى من هذا العالم”، “أنا كسول”، “لا يمكنني التحكم في نفسي”.
يمكنك أن تستنتج: أن الغني، حواره الداخلي غنى، والفقير حواره الداخلي فقير.
“إن هذه الحوارات الداخلية هي تدور بالتوازن مع الحوار الخارجي” [دانيال جوكمان: الذكاء العاطفي، 186].
إذا كان إيحائك الذاتي، وحواراتك الداخلية، إيجابية فإنك ستعرف ذلك من خلال حالتك المزاجية المبهجة من ناحية، ومن خلال الهفوات وزلات اللسان والأفعال العرضية من ناحية أخرى.
والهفوات كما عرفها فرويد ([1])، هي التي تحدث عندما ينطق المرء أو يكتب؛ عن انتباه أو بدون انتباه، كلمة غير التي يريد أن ينطق بها او يكتبها.
ومثال على تلك الهفوات والفلتات، ما ذكره أحد المتحدثين الإعلاميين: “سمو ولي العهد”، ثم صحح: “ثم ولي العهد”، وهي فلتة لسانية، تنم عن حديث داخلي ينم عن كراهية هذا الحاكم.
القناعات:
ربما يكون سبب تغير مزاجك، جاء من قناعاتك نعم قناعاتك الخاطفة. والقناعات هي مبادئ معينة مكتسبة، اقتنعت بها، فأصبحت طريقة تفكيرك، وبالتأكيد حينما تنبني هذه القناعات على مبادئ خاطئة، فإنها تؤدي إلى أسلوب خاطئ في الحياة وإليك هذه القائمة المفسدة للمزاج ([2]).
أولاً: التفكير ثنائي القطب، فكل شيء – بالنسبة لسيء المزاج – إما أن يكون أبيض أو أسود، معنا أو علينا، صديق أو عدو.
ثانيًا: التعميم: ذهب سيء المزاج إلى محافظة المنوفية، فوجد معاملة سيئة من شخص واحد وبالتالي هو يرى أن أهل هذه المحافظة سيئين.
ثالثًا: إصدار الأحكام، فهو يصدر أحكام مطلقة ونهائية على أشخاص في حياته، لمجرد فعل، فهو يرى مثلاً أن هذا الشخص قاسي، فيكون هذا حكمه عليه أبد الآبدين.
رابعًا: سوء الظن: لا يلتمس الأعذار للآخرين، ويتشكك في تصرفاتهم، ويحملها على المحل السيء.
خامسًا: الاستنتاج الخاطئ: التسرع في الاستنتاج. مثال: الشخص سيء المزاج، حينما يلقي التحية على أحدهم ولا يرد، سوف تسمعه يقول: إنه يتجاهلني، إنها قلة أدب…
سابعًا: التهويل: وهي النظرة الكارثية، حيث تضخيم الأمور، فمثلاً تقول إحدى موظفاتي بالشركة، قد جاءت غاضبة غضبًا شديدًا، وكأنما لدغها عقرب: “إن فلانة (زميلاتها) نظرت إليّ من تحت إلى تحت أي نظرة ازدراء.
ثامنًا: المنطق الانفعالي: وهم ياخذون كل الأمور على أعصابهم. العميل سيء المزاج يدخل عندي الفندق يعتقد أن موظفة الاستقبال تتحدث بطريقة لا تعجبه، وبالتالي يرى العميل أنه من الجدير أن ينفعل عليها.. إن العامل تجاهلني، فعليا أن أنفعل، إن مقدم الطعام تأخر، فعليا أن أنفعل، فهو لديه قناعة أن الانفعال هو الحل في التعامل مع أي خطأ أو تقصير من وجهة نظره.
ثامنًا: الشخصنة، والشعور بالذنب حيث لا ذنب: والشخص سيء المزاج هنا، يفترض مسؤوليته عن شيء سلبي، رغم عدم وجود دليل على ذلك.
على سبيل المثال، عندما أكلف أحد المديرين تكليفًا فإذا به يتغيب في اليوم التالي، فأقول في نفسي: “أنا السبب لقد كلفته تكليفًا صعبًا، أنا مدير غير حكيم!”.
هذه القناعات؛ هي ما أفسدت عليك يومك!